أنت تشاهد الأرشيف - للإنتقال للموقع الجديد اضغط هنا

الأقسام العامة القسم العام
ضوابط تصرّف ولي الأمر في المال العام (2)


02 - 05 - 2013 09:31 PM
الفرع الثاني
ضابط العدل في الإنفاق العام


خالد الماجد

معنى الضابط المراد: تحقيق العدل في المال العام بين المسلمين استحقاقاً وقسماً.

أدلة مشروعية ضابط العدل في الإنفاق:
دل على مشروعية هذا الضابط، بل على وجوبه، الكتاب والسنة والمعقول:

أولاً: من الكتاب:
قول الله – عز وجل-: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (النحل:90). فهذا أمر بإقامة العدل، والعدل اسم جامع لكل ما قام في النفوس أنه مستقيم(40)، وهو ضد الجور، ومما يتضمنه اسما لعدل، العدل في الأموال – عطاءً وتقديراً – فيكون مأموراً به، بل دخول المال في الآية أولوي؛ لعظم مكانة المال في النفوس، وشدة الشح به، وهو من أخطر أسباب التباغض والشحناء(41).

ثانياً: من السنة:

1 – الأحاديث التي دلت على عقوبة من لم يعدل في رعيته، ومنها:

أ – عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً، لا يفكه إلا العدل، أو يوبقه الجور(42).
ب – وعن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس من والي أمة – قلَّت أو كثرت – لا يعدل فيها إلا كبَّه الله تبارك وتعالى على وجهه في النار(43).
دل الحديثان على وجوب عدل ولي الأمر في شؤون رعيته، وتحريم الجور فيها؛ إذ مثل هذا الوعيد الشديد لا يمكن أن يكون إلا على فعل كبيرة من كباشر الذنوب، ولا شك أن من آكد شؤون المسلمين التي يجب العدل فيها المال؛ فإنه قسيم النفس، قال ابن حجر في بيان ما يقع به الجور ويحصل ذلك بظلمه لهم، وبأخذ أموالهم، أو سفك دمائهم، أو انتهاك أعراضهم، وحبس حقوقهم.. (44) ونقل عن ابن بطال قوله: .. وهذا وعيد شديد على أئمة الجور، فمن ضيع من استرعاه الله، أو خانهم، أو ظلمهم، فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة، فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة.

2 – الأحاديث التي دلت على فضيلة الإمام العادل في رعيته، والأجر العظيم الذي ينتظره يوم القيامة، ومنها:

أ – عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلساً، إمام عادل، وأبغض الناس إلى الله يوم القيامة، وأبعدهم منه مجلساً إمام جائر(45).
ب – عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل... (46).
ج – عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن – وكلتا يديه يمين – الذي يعدلون في حكمهم، وأهليهم، وما ولوا(47).
ففي هذه الأحاديث حث عظيم لأهل الولايات على العدل فيما ولوا، وهو يشعر بمدى أهمية العدل في الولاية، حتى وعد المتصف به بكل هذه الفضائل التي قل أن تجتمع في شيء، قال النووي شارحاً قوله صلى الله عليه وسلم: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا: معناه: أن هذا الفضل إنما هو لمن عدل فيما تقلده من خلافة، أو قضاء، أو حسبة، أو نظر... (48)، والمال مما يليه ولي الأمر للمسلمين، فكان من جملة الأمور التي يترتب على إقامة العدل فيها هذا الأجر العظيم.

ثالثاً: من المعقول:

أ – إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالعدل في القسم بين الأولاد، ونهى أن يخص الأب أحدهم بشيء دون الآخر، وعد التخصيص بالعطية جوراً(49). فإذا كان المرء مأموراً بالعدل ومنهياً عن الظلم في ماله الذي يملكه، وبين أولاده الذين مالُهم مالُه، فأولى أن يثبت هذا الأمر والنهي في حق ولي الأمر، الذي يتصرف على من ليسوا بأولاد، ولا هم إخوة، وفي مال ليس بماله، بل مالُهم جميعاً.
ب – إنه إذا تقرر وجوب أن يتصرف ولي الأمر في المال العام بالأصلح للمسلمين – كما تقدم – فإن مقتضى ذلك العدل بينهم في قسم مالهم؛ لأن هذا أصلح لهم.

ما يتحقق به العدل في إنفاق المال العام: يتحقق العدل في المال العام بما يأتي:

أولاً: إعطاء كل ذي حق حقه:
كل من ثبت استحقاقه في المال العام وجب على ولي الأمر أن يعطيه حقه؛ لأن ذلك جزء من المسؤولية المنوطة به في المال العام، فإن الله – عز وجل – قد خوله قسم المال بين مستحقيه، فإن منع الحق عن مستحقه فقد أخل بمسؤوليته، بل إن من مسؤوليته البحث عن المستحقين، وإيصال حقوقهم إليهم. قال ابن تيمية: فعلى ذي السلطان ونوابه في العطاء أن يؤتوا كلَّ ذي حق حقه(50). وعليه إعطاء الحق كاملاً غير منقوص، فإن كان المستحق من أهل المصالح وجب إعطاؤهم ما يقوم بكفايته، وإن كان من أهل الحاجات وجب إعطاؤه ما يسد حاجته، قال السرخسي: فعلى الإمام أن يتقي الله في صرف الأموال إلى المصارف، فلا يدع فقيراص إلا أعطاه حقه من الصدقات، حتى يغنيه وعياله(51).

ثانياً: أن يكون ثبوت الاستحقاق في المال العام وفق الشرع:
ويثبت الاستحقاق في المال العام بأحد أمرين:
1 – الحاجة. 2 – المصلحة.
وما عدا هذين فلا يستحق به أحد شيئاً من المال العام – كما تقدم-.
وعلى هذا فليس لولي الأمر أن يثبت لأحد حقاً في المال العام بسبب آخر غير هذين السببين، ككونه قريباً له، أو من أعضاء جماعته، أو حزبه، أو لما بينهما من مصالح خاصة؛ لأن ذلك ظلم ينافي العدل الواجب في المال العام، وكما ليس له ذلك، فليس له أن يخصه بعطاء وإن لم يُثْبِت له استحقاقاً – دائماً – لأنه خلاف العدل، قال ابن تيمية: لا يجوز للإمام أن يعطي أحداً ما لا يستحقه؛ لهوى نفسه، من قرابة بينهما، أو مودة ونحو ذلك(52).
ثالثاً: التسوية في العطاء:
والمراد: التسوية بين المسلمين في دفع الحاجات، لا في قدر العطاء؛ لأن المقصود الأعظم بالإنفاق دفع حاجات الناس، وحاجاتهم تتفاوت من حيث مقدار ما تندفع به، فما تندفع به حاجة فقير لا يعول إلا نفسه لا تندفع به حاجة فقير آخر ذي زوجة وذرية. فكان العدل أن يعطى كل امرئ ما تندفع به حاجته، وإن ترتب على ذلك زيادة مقدار ما يعطى على مقدار ما يعطاه غيره؛ لأنه وإن كان تفضيلاً في صورته إلا أنه تسوية وعدل في حقيقته(53).
قال العز بن عبد السلام: تقدير النفقات بالحاجات مع تفاوتها عدل وتسوية(54) وقال الشافعي وإن فضل بعضهم على بعض في العطاء فذلك تسوية إذا كان ما يعطى لكل واحد منهما لسد خلته(55).
فإذا تساوت الحاجات حرم التفضيل؛ لزوال سببه الموجب له(56).

وحيث تبين أن المعتبر في قدر الاستحقاق من المال العام الكفاية، فإنه يعتبر في قدرها ثلاثة أمور:

1 – عدد من يعولهم المستحق من المال العام.
2 – حال البلد من حيث الغلاء والرخص.
3 – حال المستحق(57).
ففي اعتبار عدد من يعول يقول أبو يعلى – مبيناً ما على ولي الأمر اعتباره عند تقدير عطاء الجند-: ويعرف قدر حاجاتهم، وكفايتهم، ويزداد ذو الولد من أجل ولده، وذو الفرس من أجل فرسه... (58).
وفي اعتبار حال البلد من حيث الغلاء والرخص يقول الشافعي: ويختلف مبلغ العطايا باختلاف أسعار البلدان، وحالات الناس فيها، فإن المؤنة في بعض البلدان أثقل منها في بعض.. (59)، وقال ابن قدامة: .. وينظر في أسعارها في بلدانهم؛ لأن أسعار البلدان تختلف، والغرض الكفاية.. (60) وكذا يعتبر في الكفاية حال المستحق، فيفرض له ما يليق بمثله في بلده، إذ الناس متفاوتون في أقدارهم ومسؤولياتهم، وما يترتب على ذلك من تبعات، فليس عطاء الأمير الملتزم بما يلزم الأمير عادة كعطاء الموظف الخفيف الحمل من تلك الالتزامات، ولا عطاء القاضي الذي يفصل بين الناس ويصلح بينهم، وربما تحمل في ذلك تبعات مالية، كعطاء من لا يسأل إلا عن نفسه. فلكل من هؤلاء عطاء يليق بمثله، وقد ذكر الله – عز وجل – في كتابه تفاوت درجات الخلق في الدنيا فقال: "وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً" (الزخرف: من الآية32) فسرت الآية بأن الله – سبحانه – فاضل بين الخلق، فجعل بعضهم أفضل من بعض في الدنيا بالرزق والرياسة والقوة والحرية والعقل والعلم(61).
قال الشافعي – منبهاً ولي الأمر إلى اعتبار حال المستحقين عند قسم الأرزاق والعطايا-: ويعرف قدر نفقاتهم، وما يحتاجون إليه في مؤناتهم، بقدر معاش مثلهم.. (62).
ويدخل في هذا تقسيم الوظائف العامة للدولة إلى درجات (سُلَّم وظيفي) إذا بلغ أي موظف درجةً استحق مرتبها المالي، ويكون العدل المطلوب – حينئذ – العدل بين الموظفين في استحقاق درجات السلم الوظيفي، وذلك بوضع معيار لاستحقاقها، يخضع له جميع الموظفين، ولا يكون للاعتبارات الشخصية أثر في الاستحقاق، بحيث تكون الفرصة متاحة لكل موظف يريد أن يثبت كفاءته.
وأما الأمور التي يجب تحقيق الكفاية فيها فهي كل ما يحتاجه الإنسان لحياته وحياة من يعوله حياة كريمة، من غير سرف ولا تقتير، وبحسب توفر المال العام.

وما تقدم من وجوب التسوية بين المستحقين في دفع الحاجات بقدر الكفاية هو ما دلت عليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين، ومنها:

الدليل الأول/ عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه الفيء قسمه من يومه، فأعطى الآهل حظين، وأعطى العزب حظاً(63).
وجه الدلالة: تمييز النبي صلى الله عليه وسلم بين المتزوج والعزب في قدر العطاء دليل على اعتبار كفاية المستحق، حيث اعتبر حاجة الزوجة إلى الكفاية، وليس هذا الاعتبار خاصاً بالزوجة، بل يدخل فيه غيرها، ممن تلزم نفقته على المستحق، قال الشوكاني: فيه دليل على أنه ينبغي أن يكون العطاء على مقدار أتباع الرجل الذي تلزمه نفقتهم من النساء وغيرهن؛ إذ غير الزوجة مثلها في الاحتياج إلى المؤونة(64).

الدليل الثاني/ إن النبي صلى الله عليه وسلم فاضل في قسم الغنائم بحسب الحاجة، فقسم للراجل سهماً وللفارس ثلاثة أسهم، فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهماً وفسره نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن له فرس فله سهم(65)؛ وذلك لأن حاجة الفارس أكثر من حاجة الراجل، فإن للراجل حاجة واحدة – وهي حاجة نفسه – فجعل له سهماً واحداً، وأما الفارس فله ثلاث حاجات: حاجة لنفسه، وأخرى لفرسه، وثالثة لسائس فرسه(66). ففي هذا ما يدل على اعتبار قدر الكفاية في الاستحقاق.

الدليل الثالث/ عن مالك بن أوس قال: ذكر عمر يوماً الفيء فقال: ما أنا أحق بهذا الفيء منكم، وما أحد منا أحق به من أحد، إلا أنا على منازلنا من كتاب الله، وقسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالرجل وقدمه، والرجل وبلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته.. حيث اعتبر عمر في قدر العطاء أموراً، منها:
1 – عدد العيال. 2 – قدر الحاجة.

الدليل الرابع/ إن عمر بن الخطاب كان يفرض لعماله عطاءً متفاوتاً بحسب حاجة كل منهم، فقد أعطى عماراً أمير العراق كل يوم نصف شاة، وأعطى ابن مسعود ربعها، ولعل ذلك بسبب تفاوت حاجتهم(67).

المفاضلة بحسب المصلحة:

وكما تجوز المفاضلة في قدر العطاء بحسب الحاجة، كذلك تجوز بحسب المصلحة العامة العائدة على المسلمين(68)، وهذا يتفق مع ما سبق تقريره من وجوب مراعاة المصلحة في الإنفاق، وهو ما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، كلَّ إنسان منهم مئة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك، فأنشد عباس شعراً، فأتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة(69).
حيث فضلهم النبي صلى الله عليه وسلم على غيرهم؛ نظراً منه إلى المصلحة، وهي التأليف؛ لأنهم كانوا سادة أقوامهم؛ ويدل لهذا أنه لما توقف تأليف عباس بن مرداس على إتمام عطائه مئة أتمه له، فدل على جواز التفضيل بحسب المصلحة العامة.

المفاضلة في العطاء لغير حاجة ولا مصلحة:

اختلف أهل العلم في حكم التفضيل في العطاء من المال العام، لغير حاجة، ولا مصلحة، بل لمقتض آخر، هو الفضيلة الدينية، كالعلم، وعظم البلاء للدين بالدعوة والجهاد، وكان خلافهم على قولين:
القول الأول: لا يجوز التفضيل في العطاء بالفضيلة الدينية، وهذا قول أبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب – رضي الله عنهما – وعطاء(70)، وهو قول الشافعي(71)، وقول عند الحنفية(72)، ورواية عن مالك (73)، ورواية عن أحمد(74).

القول الثاني: يجوز التفضيل. وهذا قول عمر وعثمان(75) – رضي الله عنهما – والقول الثاني عند الحنفية(76)، ونسبه ا بن تيمية إلى مذهب مالك(77)، والرواية الثانية عن أحمد اختارها ابن قدامة(78).

الأدلة:
أولاً: استدل القائلون بعدم جواز التفضيل: بالآتي:
الدليل الأول: إن الله – عز وجل – قسم المواريث على العدد، ولم يفضل بعض الأبناء على بعض، مع كونهم متفاضلين في الغناء عن الميت، والصلة في الحياة، والحفظ بعد الموت، فكذلك لا تفضيل في العطاء(79).
الدليل الثاني: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أربعة أخماس الغنيمة على الغانمين، ولم يفضل، مع تفاضلهم في الغناء، فإن منهم من يغني غاية الغناء، حتى يكون الفتح على يديه، ومنهم من يكون حضوره إما غير نافع، وإما ضرراً على المسلمين بالفرار والجبن والتخذيل،ن فإذا لم يجز التفضيل بين الغانمين فكذلك بين مستحقي العطاء(80).
ونوقش بأمرين:
المناقشة الأولى: قياس ميتحقي العطاء على الورثة والغانمين قياس مع الفارق؛ لأن الميراث والغنيمة مستحقان بسب، لا بعمل، وأما العطاء فمستحق بعمل(81).
ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة بأنه لا يسلم أن قسم الغنيمة مستحق بسبب، بل هو مستحق بعمل، وقد قال الله – عز وجل -: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ) (الأنفال: من الآية41) فجعل الغنيمة من عملهم(82).
المناقشة الثانية: لا يسلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفضل بعض الغانمين على بعض، بل ثبت ذلك، حيث كان يفضل بعضهم بالنفل زيادة على سهمه في الغنيمة(83).

الدليل الثالث: إن الفضل ثوابه على الله – عز وجل – وأما العطاء فمعاش، فالأسوة فيه خير من الأثرة(84).
ويمكن أن يناقش: بأنه مع التسليم بأن الفضل ثوابه على الله – عز وجل – إلا أن ذلك لا ينافي جواز الإثابة في الدنيا.

ثانياً: أدلة أصحاب القول الثاني القائلين بالجواز:

الدليل الأول: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فضل بعض الغانمين على بعض من أربعة أخماس الغنيمة على عظم البلاء، ومما ثبت في هذا:
1 – عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفَّل الربع، وإذا أقبل راجعاً وكلَّ الناس نفَّل الثلث(85).
دل الحديث على جواز التفضيل من وجهين:
1 – أن النبي صلى الله عليه وسلم فضل بعض الغانمين على بعض من أربعة أخماس الغنيمة لبلائهم؛ إذ النَّفل زيادة على سهم الغنيمة، قال ابن تيمية: وهذا تفضيل لبعض الغانمين من أربعة الأخماس(86).
ب – أنه صلى الله عليه وسلم أجرى المفاضلة بين من فضَّله بالنفل – أيضاً – حيث نفَّل السرية إذا أغارت والجيش قد قفل راجعاً من الغزو أكثر مما نفلها به إذا أغارت في مبتدأ الغزو والناس مقبلون عليه؛ نظراً منه صلى الله عليه وسلم إلى شدة البلاء؛ لأن الإغارة عند قفول الجيش أشق عليهم وأعظم خطراً؛ لقوة الظهر عند دخولهم، وضعفه عند خروجهم، وهم في الأول أنشط للسير والإمعان في بلاد العدو، بينما عند القفول أضعف، وأفتر، وأشهى للرجوع إلى بلادهم، فزادهم لذلك(87).
2 – وعن سلمة بن الأكوع حديث غزوة ذي قُرَد، حين أغار عبد الرحمن الفزاري على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه.. وفيها أبلى سلمة بن الأكوع وأبو قتادة بلاءً عظيماً، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان خيرَ فرساننا أبو قتادة، وخيرَ رجالتنا سلمة قال سلمة ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين سهم الفارس وسهم الراجل، فجمعهما إليَّ جميعاً(88).
فإعطاؤه صلى الله عليه وسلم سلمة سهم فارس نفل؛ لأن سلمة إنما يستحق سهم راجل؛ لكونه في تلك الغزوة كان راجلاً، وما كانت هذه الزيادة إلا لعظم بلائه.
فإذا جاز التفضيل في الغنيمة – مع أن مستحقيها معينون – جاز في العطاء من المال العام؛ لأن مستحقيه غير معينين.

الدليل الثاني:
قول عمر – حين قسم المال -: ولكنا على منازلنا من كتاب الله، وقسمة رسول الله، فالرجل وبلاؤه، والرجل وقدمه، والرجل وحاجته، والرجل وعياله، فقول عمر ولكنا على منازلنا من كتاب الله، وقسمة رسول الله فيه إشعار بأن التفضيل لم يقع من عمر اجتهاداً، بل بما علمه من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم(89).
ونوقش بأن أبا بكر قد خالفه، ويبعد أن تخفى عليه سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القضية مع شدة متابعته للرسول، فلو كانت سنة ما تركها، ولعل هذا فهم من عمر لم يوافق عليه، فلا حجة فيه مع مخالفة أبي بكر.

الترجيح/
الراجح أن الأصل التسوية، ويجوز التفضيل، على أن يتحرى فيه ولي الأمر العدل والنصفة، بحيث لا يفضل لهوى؛ وذلك للآتي:
1 – إن أدلة المانعين ليس فيها ما يدل على عدم الجواز – مطلقاً – وإنما غاية ما فيها إثبات أن الأصل التسوية، وهذا لا ينافي ثبوت التفضيل – أحياناً – لاعتبارات صحيحة.
2 – إن المنافسة على الخير، وتحصيل الفضائل الدينية، والاجتهاد للدين وأهله، من مقاصد الشرع التي ندب إليها، وأثاب عليها، ومن الناس من لا ينبعث إلى الخير إلا مع حظ من الدنيا، فجاز التفضيل؛ تحقيقاً لمقاصد الشرع، وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم أحد الأجرين الموعود بهما المجاهد الغنيمة، وهي حظ دنيوي؛ ليحصل مقصود الشرع، وهو إقامة الجهاد.
فإذا تبين أن التفضيل في العطاء لا يكون إلا لحاجة، أو مصلحة، أو فضيلة مردها إلى تقديم من قدمه الله ورسوله، فيحرم على ولي الأمر تفضيل أحد ليس في تفضيله مصلحة، ولا دفع حاجة، ولا رعاية فضيلة دينية، فإن فضل لهوى فقد أعطى ما لا يجوز له إعطاؤه، وكان الآخذ آخذاً ما لا يستحق، قال ابن تيمية: وإذا عرفت أن العطاء يكون بحسب منفعة الرجل، وبحسب حاجته في مال المصالح.. فما زاد على ذلك لا يستحقه الرجل إلا كما يستحقه نظراؤه.. (90). ويكون المأخوذ – حينئذ – أمانة في يد الآخذ، يجب ردها لبيت المال، قال البلاطنسي: ولو أطلق (لأحد) من بيت المال فوق ما يستحقه؛ إما غلطاً من الإمام، أو جوراً، فإن ذلك الزائد لا يستحقه المطلق له، بل يبقى في يده أمانة شرعية، يجب ردها لبيت المال(91) ويكون المعطي المفضِّل لهوى مسيئاً بهذا التفضيل، مستحقاً للطعن فيه، قال ابن تيمية: وإنما يطعن في تفضيل من فضل لهوى(92)؛ وذلك لأنه تصرفَ فيما لا يملك تصرُّفَ المالكين.

رمزية alsubaie
[ عضو فعال ]
حكم الرسم قصـة الأبرص والأقرع والأعمى 26 سؤالاً مهماً للمقبلين على الزواج

انمي اون لاين مانجا اون لاين ناروتو شيبودن ون بيس القناص المحقق كونان انميات 2015 انمي مترجم انميات كاملة العاب برامج
جميع الحقوق محفوظة موقع شقاع 2015