أنت تشاهد الأرشيف - للإنتقال للموقع الجديد اضغط هنا

الأقسام العامة القسم العام
ضوابط تصرّف ولي الأمر في المال العام (1)


02 - 05 - 2013 09:25 PM
ضوابط تصرّف ولي الأمر في المال العام
د. خالد الماجد

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم إلى يوم الدين، أما بعد:

ضوابط تصرف ولي الأمر في المال العام، وفيه أربعة فروع

الفرع الأول:
ضابط مراعاة المصلحة في الإنفاق.


يوصف المال العام بأنه مال المصالح، ومال المصالح العامة، وفي هذه الإضافة إشارة إلى ضابط في غاية الأهمية من ضوابط الإنفاق العام، بل هو أساسها، وهو: المصلحة، وهي ضد المفسدة، فلا بد أن يحقق الإنفاق مصلحة للمسلمين ويشترط في هذه المصلحة ثلاثة شروط:
الشرط الأول: كونها خالصة أو راجحة، فإن كانت المصلحة مساوية للمفسدة فلا يشرع الإنفاق حينئذٍ، وكذا لو كان لا يحقق أي مصلحة من باب أولى.

الشرط الثاني: كون المصلحة عامة: فلا يكفي للحكم بمشروعية الإنفاق أن يكون على مصلحة، بل حتى تكون هذه المصلحة عامة، يعود نفعها على المسلمين، كبناء المساجد والمدارس، وإنشاء الطرق، أو على طائفة منهم لا تعيين لأشخاصهم بل لصفاتهم، كرواتب موظفي الدولة أو عطاء أهل الحاجات الذين لم يسد حاجاتهم مال الزكاة، فإن الإنفاق على هؤلاء من المال العام وإن كان ظاهره إعطاء أفراد، إلا أن الإعطاء لم يكن لذواتهم، بل إما لقيامهم بمصالح المسلمين، فيجب على المسلمين القيام بكفايتهم نظير ما قاموا به من مصالحهم، أو لما قام بهم من الحاجة التي يجب على المسلمين سدها، والمال العام محل ذلك، إن لم يكف مال الزكاة(1).

والمصلحة التي تتوقف على رجحانها مشروعية الإنفاق تشمل مصالح المسلمين الدينية والدنيوية، فالإنفاق على الدعوة إلى الله، ونشر العلم الشرعي، والجهاد لإعلاء كلمة الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل ذلك من الإنفاق المشروع، بل الواجب؛ لأنها مصالح متعلقة بالدين، ولا شك أن مصالح المسلمين الدينية – التي يحصل برعايتها العزة والتمكين في الدنيا والنجاة في الآخرة – من أولى ما يجب على الدولة الإسلامية توجيه الإنفاق العام إليه، بما يضمن تحصيلها.

والإنفاق على توفير العيش الكريم، وعلى تعليم العلم الدنيوي، كالطب، والهندسة، والعلوم، التي بها تحفظ الأبدان، ويستعد بالقوة العلمية والعسكرية، والإنفاق على بناء المصانع والمرافق العامة، كالطرق، وصيانة المنشآت، وغير ذلك من مصالح المسلمين الدنيوية، كل هذا من الإنفاق المشروع؛ لأنه لا قيام للدين إلا بالدنيا، إذ هما توأمان، لا يستغني أحدهما عن الآخر(2).
وهذا الضابط يمثل قيداً لتصرفات ولي الأمر – وغيره – في المال العام، وهو من فروع القاعدة الكبرى التي تضبط تصرف ولي الأمر في شؤون الرعية كلها المالية وغيرها، وهي: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة.

ولقد جاء في كلام أهل العلم التأكيد على أهمية رعاية المصلحة؛ لضمان حسن التصرف في المال العام من جميع المتصرفين فيه، ويمكن بيان هذا من خلال النقاط الآتية:

أولاً: النص على أن مصرف المال العام المصالح العامة: قال الماوردي: يُحْمَل ما يفضل من مال الخراج إلى الخليفة؛ ليضعه في بيت المال العام، المعد للمصالح العامة(3)، وعلل البهوتي إيجاب فداء الأسير المسلم من بيت المال بأنه موضوع لمصالح المسلمين(4).

ثانياً: النص على عدم إباحة صرفه إلى الجهات التي لا يتحقق بالصرف إليها مصلحة للمسلمين، ولا دفع حاجة؛ إذ قد تقدم أن الاستحقاق من المال العام يكون بأحد أمرين، إما حاجة في الآخذ لم تسد من مال الزكاة، أو قيامه بمصلحة للمسلمين، وما سوى هذين فقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز تخصيص أحد بشيء من المال العام من دون المسلمين، قال الغزالي: لا يجوز صرف المال إلا لمن فيه مصلحة عامة، أو هو محتاج إليه عاجز عن الكسب(5)؛ معللين ذلك بأنه لا مصلحة في إعطاء غير المستحقين(6).
وكما منعوا الولاة من إعطاء غير المستحقين حرَّموا على هؤلاء الأخذ، قال البلاطنسي: والمأخوذ حرام على الآخذ غير المستحق(7) ولما ساق النووي الخلاف في حكم قبول عطية السلطان قال: والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت، وكذا إن أعطى من لا يستحق(8) ثم قال: وإن لم يغلب الحرام فمباح إن لم يكن في القابض مانع يمنع من استحقاق الأخذ(9).
فأنت ترى أن الاستحقاق شرط في إباحة المأخوذ، سواء غلب الحرام فيما في يد السلطان أو لم يغلب، وهذا صريح في تحريم أخذ غير المستحقين من المال العام.
ولقد عد بعض أهل العلم الاستئثار بالأخذ من المال العام من غير اتصاف بصفة استحقاق بدعة أضرت بمصالح المسلمين في دينهم ودنياهم(10).

ثالثاً: القاعدة الفقهية: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة(11) وهذه القاعدة أشبه بالمجمع عليها، قلَّ أن يغفل من تكلم في القواعد الفقهية عن ذكرها، وهي تعد الصياغة الفقهية الشرعية لما يجب على ولي الأمر وغيره فعله في شؤون المسلمين كلها، ومنها المال العام، وعلى هذا فحيث تجد الفقهاء يطلقون التخيير لولي الأمر في شؤون المسلمين، كقولهم: الحكم في الأسرى، وفي تفريق أموال بيت المال، وفي تولية القضاء، فإنهم لا يعنون – بحال – إطلاق الاختيار له، بحسب هواه، بل تقييده بمقتضى هذه القاعدة، وهو اختيار الأصلح(12). وتسميتهم ذلك خيرة يقصدون به أنه لا يتحتم عليه قبل الفكر والنظر فعل خصلة من الخصال، وإنما يجب عليه أن يبذل غاية الجهد في اختيار ما هو أصلح للمسلمين(13)، فإذا استوعب الفكر والنظر في وجوه المصالح، فوجد مصلحة هي أرجح للمسلمين، تحتم عليه تحصيلها، وأثم بتفويتها(14).
فمثلاً معنى تخييره في صرف أموال بيت المال: أنه يجب عليه الاجتهاد والنظر في تعيين مصالح الإنفاق، والأخذ بالراجح، وتقديم الأهم، واجتناب كل ما يؤدي إلى إضاعة المال، أو حرمان المستحقين من حقوقهم فيه، أو إيثار شخص أو طائفة به.
ويلخص ذلك العز بن عبد السلام بقوله: وكل تصرف جر فساداً، أو دفع صلاحاً فهو منهي عنه، كإضاعة المال بغير فائدة(15).
وقد اشتد نكير أهل العلم على من ظن أن لولي الأمر أن يتصرف في مال المسلمين العام بحسب هواه، اعتقاداً منهم أنه ملكه، يتصرف فيه بما شاء، قال البلاطنسي: واعتقد الجهال أن للسلطان أن يعطي من بيت المال ما شاء لمن شاء، ويقف ما شاء، على من يشاء، ويرزق ما يشاء، لمن يشاء، من غير تمييز بين مستحق وغيره، ولا نظر في مصلحة، بل بحسب الهوى والتشهي، وهو خطأ صريح، وجهل قبيح، فإن أموال بيت المال لا تباح بالإباحة(16).
وتقييد التصرف بالمصلحة يظهر أكثر وضوحاً من خلال تتبع فروع المسائل التي يذكرها الفقهاء تحت هذا الباب – تصرف الإمام في شؤون الرعية – حيث تجدهم يقيدون كل تصرف بظهور المصلحة فيه، ومن أمثلة ذلك:
أنهم قيدوا جواز الوقف من بيت المال(17)، والبيع(18)، والإقطاع(19)، والحكم في الأسرى(20)، وفي حد المحارب(21)، والإبراء من حق واجب لبيت المال(22)، والزيادة في مقدار الخراج المضروب على الأرض والنقصان منه(23)، وتنفيل بعض المقاتلين من الغنيمة(24)، وجواز الصلح مع الكفار(25)، وفي مقدار التعزير(26)، قيدوا ذلك كله بكونه الأصلح للمسلمين(27).
وقد اشترط الفقهاء في المصلحة المعتبرة لمشروعية التصرف في المال العام أن تكون متحققة أو يغلب الظن بتحققها، ولا يكفي مجرد الظن، قال ابن جماعة وأما من ليس في عطائه مصلحة عامة، بل قصدت مصلحة خاصة، كمن يعطى لمجرد ظن صلاحه؛ لوجاهته، من غير حاجة.. فلا يجوز صرف مال المسلمين إليه(28) ووجه ذلك: حتى لا تتخذ المصلحة ستاراً يوارى به التصرف الضار بالمال العام.

رابعاً: عدم نفاذ كل تصرف لا مصلحة فيه، وإبطاله إذا كان مما يقبل الإبطال، قال القرافي: الأئمة معزولون عما هو ليس بأصلح، حتى وإن كان صالحاً(29)، وقال علاء الدين الإمام: ليس للإمام أن يقطع ما لا غنى للمسلمين عنه.. ولو فعل فالمُقْطَعُ وغيره سواء(30) أي سواء في الانتفاع بالإقطاع، وهذا إبطال للتخصيص لما كان غير مشروع، وقال الشافعي – بعد أن قرر ما يجب على ولي الأمر فعله في أرض العنوة-: وكل ما وصفت أنه يجب قسمه فإن تركه الإمام، ولم يقسمه.. أو تركه لأهله، رد حكم الإمام فيه؛ لأنه مخالف للكتاب والسنة(31)، واستدل البلاطنسي على صحة الحكم بالبطلان بأن مقتضى قول الله – جل وعلا -: "وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (الأنعام: 152) وقوله صلى الله عليه وسلم: ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة(32). مع قوله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد(33) أن يكون جميع المتصرفين من الولاة ونوابهم – وغيرهم – ممنوعين عن المفسدة الراجحة، والمصلحة المرجوحة، والمساوية، وما لا مفسدة فيه ولا مصلحة لأن هذه الأقسام الأربعة ليست مما هو أحسن، وتكون الولاية إنما تتناول جلب المصلحة الخالصة أو الراجحة، أو درء المفسدة الخالصة أو الراجحة(34)، ويكون تصرفهم بغير ذلك – لو تصرفوا – باطلاً، غير نافذ.

وليعلم أن هذا الضابط – التصرف بالمصلحة – غير خاص بتصرف ولي الأمر، بل هو قيد عام على كل متصرف في شيء من المال العام، ممن أذن له بالتصرف فيه، من آحاد الناس، كما تفيده القاعدة الفقهية بأن كل متصرف عن الغير فيجب عليه أن يتصرف بالمصلحة(35).

أدلة اعتبار ضابط مراعاة المصلحة العامة في الإنفاق العام:

الدليل الأول: عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع، وهو مسؤول عن رعيته(36) ومقتضى الرعاية فعل الأصلح بالرعية في شؤونهم كلها، ومن أهمها المال العام.

الدليل الثاني: عن الحسن قال: عاد عبيد الله بن زياد معقل بن يسار المزني – في مرضه الذي مات فيه-، فقال معقل: إني محدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو علمت أن لي حياة ما حدثتك به، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت – يوم يموت – وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة(37).
وجه الدلالة: أن عدم فعل الأصلح – مع القدرة عليه – غش للأمة؛ لأنه يناقض أمر الله – عز وجل-، ويناقض مقتضى الولاية والرعاية، والغش محرم؛ لأن مثل هذا الوعيد الشديد لا يكون إلا على أمر محرم؛ بل كبيرة من الكبائر؛ فإذا كان الاكتفاء بالفعل الصالح وترك الفعل الأصلح غشاً للأمة، كان فعل ما لا مصلحة فيه أعظم غشاً.

الدليل الثالث: أوجب الله – جل وعلا – على ولي اليتيم فعل الأحسن في مال اليتيم، حين نهاه أن يقربه إلا بالتي هي أحسن، في قوله سبحانه: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الأنعام: 152) ومعنى الأحسن: تحصيل المصلحة الخالصة، أو الراجحة، وعدم الاكتفاء بالصالح مع إمكان الأصلح، فضلاً عن الفساد. فكان الواجب على ولي الأمر في مال المسلمين نظير الواجب على الولي في مال اليتيم؛ لأنه بمنزلته، كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم. والولايات كلها سواء من حيث وجوب التصرف بالمصلحة في حق المولَّى عليهم، قال القرافي: كل من ولي الخلافة فما دونها إلى الوصية لا يحل له أن يتصرف إلا بجلب مصلحة، أو درء مفسدة(38) بل إن وجوب فعل الأصلح على ولي الأمر في المال العام آكد من وجوبه على ولي اليتيم في مال اليتيم؛ لأن اعتناء الشرع بمصالح العامة أوفر وأعظم من اعتنائه بمصالح الخاصة(39).

وأخيراً
فإن مراعاة المصلحة في إنفاق المال العام تعد ضابطاً هاماً من ضوابط حسن التصرف في المال العام، تمنع إذا توفرت لها الضمانات من استغلال السلطة في ما لا يحل.


رمزية alsubaie
[ عضو فعال ]
حكم الرسم قصـة الأبرص والأقرع والأعمى 26 سؤالاً مهماً للمقبلين على الزواج

02 - 08 - 2013 12:49 AM
الله يعطيك العافية ياغالي ,,



دمت بود
رمزية السهم الاحمر
[ إداري ]
Friend Google
|||


لا آرد على آي سؤال في الرسائل , اطرح سؤالك في الموضوع آذا اردت استجابة
.
+ قوانين المنتدى للجميع وعلى الجميع , فأحرص على عدم مخالفتها كان من كان.
+ اذا كان لديك اقتراح او مساعدة تفضل : هنا

Buys : سفر - دراسة - ضغوط
دخول للمراقبة فقط

متصفح | Firefox 31.0 مشغل الفيديو والصوت | KMPlayer 3.9.0.126 لتحويل صيغ الفيديو | Any Video Converter...

02 - 08 - 2013 01:47 AM
الله يعافيك ويسلمك

تسلم على المرور الطيب

شرفتنا يَ الغآلي

تحيآتي لكك ,,,
رمزية alsubaie
[ عضو فعال ]
حكم الرسم قصـة الأبرص والأقرع والأعمى 26 سؤالاً مهماً للمقبلين على الزواج

02 - 08 - 2013 05:30 PM
يعافيك ربي
وجزاك الله خير
علي مجهودك
رمزية aljoOokr
[ عضو نشيط ]


يداً بيد لرقي المنتدى

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

صلي علي الحبيب رسول الله

أجمل إحساس في حياتك جميع حلقات القناص مترجم || All Hunter X... صور بليتش

02 - 08 - 2013 05:48 PM
يعطيكـ العافية أخوووي على المجهووود
+
تسلم أديكـ"
رمزية الفورمة
[ مراقب ]
هناك أعضاء لن انساهم ابداً فهم اصدقائي و أعز الناس لدي
- في الدعم دعموني وفي التوجيه وجهوني ، مرحنا معاً وضحكنا معاً في أيام كانت جميلة بتواجدهم
أنا حقاً ممتن لهم


دخول قليل جداً :/ مسآفر ، درآسة ، ضغوطآت الحيآة
* متواجد للضرورة فقط *


тнє aиğєŁs ğяŎǓρ

مانجا هجوم العمالقة 81 مترجم | Manga... مانجا كوروكو نو باسكيت - لعبة إضافية 07... مانجا ون بيس بارتي 03 مترجم | Manga One...

02 - 08 - 2013 09:04 PM
الله يعافيكك ويسلمكك

شرفني مروركك العطـر والرآآآئـع

تحيااتي لكك ,,,
رمزية alsubaie
[ عضو فعال ]
حكم الرسم قصـة الأبرص والأقرع والأعمى 26 سؤالاً مهماً للمقبلين على الزواج

انمي اون لاين مانجا اون لاين ناروتو شيبودن ون بيس القناص المحقق كونان انميات 2015 انمي مترجم انميات كاملة العاب برامج
جميع الحقوق محفوظة موقع شقاع 2015